2018, فصل في مؤلف جماعي
تتجلى العلاقة بين مصالح الأمن وصانع القرار في شكلها الأولي، في منظومة روابط تقوم بين "إنتاج" يعبر عن الفعل الأمني والمعلومات الأمنية وبين مستهلكين لذلك الإنتاج يعبرون عن مطالبهم بخصوص الاحتياجات الأمنية، وهؤلاء هم صانعو القرار. أما البعد الأخلاقي فهو يطرح بالنسبة للجهتين على مستويات عدة: ففي مستوى أول، يمكن للسياسي أن ينزلق في بئر "اللاأخلاقيات" إذا ما قام بتصرفات من قبيل: تحويل مهام أجهزة الأمن عن نشاطها الأصلي لأهداف شخصية، أو دفع الأجهزة للعمل خارج إطار القانون أو الضغط عليها لتوفير معلومات بأي ثمن، وفرض أهداف وأساليب مثيرة للجدل. وفي مستويات أخرى، تنجم الانزلاقات الأخلاقية عن سلوكيات الأجهزة ذاتها، حين تحاول إثبات صلاحية مواقف سياسية معينة (التسييس)، سواء للتأثير على القادة أو لمحاولة استرضائهم، أو تستخدم وسائل مشددة في الاستنطاق، أو حتى تسليم المشتبه بهم إلى دول لا تحترم حقوق الإنسان. إلى ذلك تبرز مسألة الأخلاق في الفعل الأمني لا سيما عندما تقبل مصالح الأمن القيام بمهام غير مشروعة ولو طلبها صانع القرار، أو في حالات ما يعرف "بالعمليات السرية" التي تستهدف توجيه الأحداث، حيث أن بعض الدول تعتبرها غير أخلاقية. وثمة أمثلة كثيرة توضح مثل هذه الحالات. لا مناص إذن من حضور قواعد صارمة في لعبة التوازنات المطلوبة لرسم الحدود، "قانونيا وأخلاقيا"، بين السياسي ومصالح الأمن على اختلاف تشكيلاتها وأنواعها. إلى جانب ذلك، ثمة أهمية بالغة لقيم وأخلاق الفرد كمستوى بالغ الأهمية سواء تعلق الأمر بصانع قرارات أو بمسؤول أمني، حيث يخضع موقف الفرد إزاء الممارسات والوضعيات والأهداف لمؤثرات أخلاقية قوية وخطرة، فالبيئة الأخلاقية التي تعمل فها قطاعات الأمن هي انعكاس مباشر لأخلاقيات النظام السياسي. وفي كل الأحوال، فإن إطارا أخلاقيا مناسبا في الفعل الأمني يتطلب الحفاظ على استقلالية وتجرد مصالح الأمن وإبعادها عن دائرة التسييس، إلى جانب العمل في إطار المشروعية بمنأى عن التمكين الذاتي، الذي كثيرا ما يكون متاحا وسهلا متى ما سادت ثقافة الاستعلاء وكانت آليات المراقبة ضعيفة وضئيلة الفاعلية.